الأربعاء، 29 يوليو 2009

بشأن اللغة الأمازيغية و لهجاتها : عثمان سعدي

رد على رسالة من الدكتور عثمان سعدي إلى لويزة حنون

(بشأن اللغة الأمازيغية و لهجاتها)

بقلم: جعفر مسعودي


لقد نشرت صحيفة الشروق اليومي في عددها اﻠ 1029 المؤرخ بالأحد 21 مارس 2004 رسالة من الدكتور عثمان سعدي، رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية، تضمنت ردا على بعض التصريحات من السيدة لويزة حنون حول المسألة الأمازيغية.

و بما أن الرسالة تضمنت مغالطات كثيرة بشأن الأمازيغ و الأمازيغية، قمنا فورا – نحن المعتزون بلغتنا و ثقافتنا – بإرسال رد عليها إلى الجريدة المذكورة أعلاه عملا بمبدأ حق الرد. لكن، نظرا للحقد الذي تتميز به هذه الصحيفة تجاه الأمازيغ عامة و القبائل خاصة، أبت إلا أن ترمي رسالتنا إلى سلة المهملات. لهذا، ها نحن مراسلوكم عسى أن نجد في جريدتكم حيزا لنشر كل الحقيقة حول المسألة التي عالجها دكتورنا في رسالته.




كعادته، لقد حاول السيد عثمان سعدي أن يقنع الجزائريين بأن الأمازيغية ما هي إلا لهجة من اللهجات العربية القديمة و أن عروبة الجزائر ليست وليدة فترة مجيء الإسلام إلى هذه البلاد و إنما هي متجذرة في تاريخ حتى ما قبل ظهور الإسلام على الجزيرة العربية.i ولقد استند في قوله هذا إلى مجموعة من أدلة ضعيفة ضعف صاحبها(الذي اعتبر نفسه من المتخصصين) في مجال علم اللغة. ونذكر منها التشابه الملحوظ بين العربية و الأمازيغية على بعض المستويات كمخارج الأصوات، جذور الكلمات، أسماء القبائل و الأماكن، الخ.



ففيما يخص الدليل الأول، يمكننا القول بأن وجود بعض الأصوات ﻛ / ض، ظ، ط، ق/ في الأمازيغية كما في العربية لا يعتبر برهانا قاطعا بأن الأولى منحدرة من الثانية. ففي الواقع، هذه الأصوات توجد أيضا في لغات أخرى مثل الهندية و السويدية و الاسكيمو. فهذه اللغات بعيدة كل البعد جغرافيا و تيبولوجيا عن العربيةii، فكيف يفسر احتوائها لتلك الأصوات ؟


هذا من جهة. من جهة أخرى، يعتبر الاستدلال في ربط الأمازيغية مباشرة بالعربية باشتراكهما في مجموعة من الكلمات نقطة ضعف أخرى. فهنا أيضا هناك مفردات كثيرة تتقاسمها عدة لغات لا صلة لها بالأخرى أحيانا. نحن لا نتكلم هنا عن الكلمات المستعارة و إنما عن تلك التي لا يمكن إلا أن تكون أصليةiii. فعلى سبيل المثال، المفردات العربية التالية (غراب، أرض) موجودة بأشكال مختلفة في العبرية و الأمازيغية و الإنجليزية و الألمانية. لاحظوا :

- عربية

غراب

جذر الكلمة

غ ر ب

- فرنسية

Corbeau

= =

ك ر ب

- أمازيغية

tagarfa

= =

ق ر ف

- إنجليزية

Crow

= =

ك ر و

- ألمانية

rabe

= =

غ ب


- عربية

أرض

جدر الكلمة

أ ر ض

- عبرية

ורדכ

= =

أ غ تس

- ألمانية

erde

= =

أ غ د

- إنجليزية

earth

= =

أ ر ث


أما فيما يخص أسماء العلم و الأماكن العربية و الأمازيغية، فتشابهها لا يعني بتاتا بأن الأمازيغ قد كانوا في السابق عربا أو قطنوا في قطر من الأقطار العربية كاليمن قبل مجيئهم إلى شمال إفريقيا. ذلك لأننا إذا ألقينا نظرة في خريطة العالم و تفحصنا في أسماء الأشخاص من مختلف العرقيات، فسوف نكتشف أسماء بأشكال أمازيغية. على سبيل المثال، فاسم علم "Ortega " المتداول عند سكان أمريكا اللاتينية لا يختلف عن الاسم الأمازيغي القديم "Urtega " أو "Wertiga " الذي ذكره ابن خلدون في كتابه المشهور "العبر"iv . و في أوطان عديدة كروسيا و صومال و ألبانيا و رومانيا و الولايات المتحدة هناك مدن بأسماء ذات مرفولوجيا أو نغمة أمازيغية مثل – بالترتيب – "Ogadan "، "Aksoum "، "Tirana "، "Timisouara "، "Tallahassee". أ هذا يدفعنا إلى الاستنتاج بأن الأمازيغ أتوا من إحدى هذه البلدان ؟



و في موضع أخر، عاتب دكتورنا الأكاديمية البربرية التي سماها تحقيريا بالمخبر على قيامها بإدخال مفردات مستحدثة (néologismes ) في القبائلية متجاهلا بأن هذا العمل ليس ميزة خاصة بالأكاديمية السابق ذكرها و إنما يشمل جميع أكاديميات العالم، إذ أن من إحدى المهمات لمثل هذه المؤسسات إثراء اللغة بكلمات جديدة تستعار من اللهجات المحليةv أو من اللغات الأجنبية. ثم إن في العالم العربي مجمع يقوم بنفس المهمة لصالح اللغة العربية، فلماذا لم ينتقدها "عالمنا" الشاوي ؟


و دائما في سياق الشتم و التضليل، حاول مبصرنا إعطاء صورة قاتمة على القبائل من الناحية الدينية. فحسبه، كل ما يقوم به القبائلي من أجل إنقاذ لغته و ثقافته من الزوال إنما غايته في الواقع هي نسف الوحدة الدينية للجزائريين. إن مثل هذا التصور الذي أقحمه أمثال عثمان سعدي في عقول الكثير من الجزائريين لمتناقض تماما مع الواقع و لهو أخطر للوحدة التي يزعمون أنهم يدافعون عليها. فمن يزور القرى و المدن القبائلية سيجد فيها كسائر المناطق الجزائرية الأخرى مساجدا للصلاة و لحفظ القرآنvi. أما عن الحالات الخاصة حيث نجد بعض المتطرفين القبائل يرتدون علانية عن الإسلام و يحقدون العرب و العربية، فجوابنا أن تطرفهم جاء كرد فعل لوقوف عناصر متطرفة من التياري العروبي و الاسلاموي موقف المعارضين للقضية الأمازيغية. فلو كان هؤلاء "المتشبعون" بالإسلام يعلمون حقا ما في القرآن في شأني التعامل مع الناس و حماية اللغات و الأجناس لاستوقفتاهم هاتان الآيتان الكريمتان: ( ... و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ...)vii و (... و من آياته خلق السماوات و الأرض و اختلاف ألسنتكم و ألوانكم...)viii. فالآية الأولى تدعو المسلم إلى أن يكون محترما للغير حتى يتسنى له كسب محبته و وفائه. أما الثانية، فهي تنصح المسلم ضمنيا بأن يحافظ على اختلاف الأجناس و اللغات، لأن هذا الاختلاف آية من آيات الخالق. لهذا السبب، إذا ساهم المسلم بأي أسلوب في إبادة أي جنس بشري أو في إزالة أية لغة من الوجود، فهو بذلك قد ساهم في تجريد الآية المذكورة من معناها، أي أن تلك الآية تصبح غير منطبقة مع الواقع، مما يزيل من القرآن تلك الميزة الربانية المتمثلة في صلاحيته في كل زمان و مكان.


و في مكان آخر من رسالته، كتب الدكتور الفاضل بأن "التراث الأمازيغي كله شاوي سواء أكان سياسيا أو ثقافيا". و لقد استدل على ذلك بقوله أن كل الشخصيات السياسية و الثقافية كالملك ماسينيسا و الفيلسوف أبوليوس و الأب دونا، الخ، هم من الشاوية. هنا يتبادر إلى أذهاننا السؤال التالي: كيف عرف دكتورنا بأن كل هؤلاء شاويون؟ أ يجهل بأن في ذلك الزمان خريطة العالم الأمازيغي مختلفة تماما عما عليها اليوم؟ إذ أن في تلك الفترة هناك امتداد جغرافي شمل الكثير من المناطق التي نراها اليوم منعزلة، مما سمح لأهالي تلك الرقعة بالاحتكاك و تكوين ثقافة واحدة. فهذا ابن خلدون الذي عاش في العهد الإسلامي- و هي أقرب فترة إلينا- كتب في كتابه "العبر" بأن "بلادix بجاية و قسنطينة كانت من قبل موطنا لقبائل الزواوة و كتامة و عجيسة و هوارة"x. و حتى التشابه الكبير الذي لازال قائما إلى يومنا بين اللهجتين القبائلية و الشاوية يشهد على الوحدة الثقافية التي جمعت حينذاك بين القبائل و الشاوية.


ختاما، أرجو أن يكون هذا الرد مقنعا للسيد عثمان سعدي و أمثاله، فيغيروا من أفكارهم تجاه القبائل و أن يساهموا في إحياء اللغة الأمازيغية (دون التخلي عن العربية) و نشرها حتى يتصالح الشعب الجزائري و يجنب له المزيد من الشقاق.




i حول هذا الموضوع، ارجع إلى "عروبة الجزائر عبر التاريخ" لعثمان سعدي.

ii تعتبر العبرية أقرب لغة إلى العربية من الأمازيغية من حيث المفردات و النحو و النظام الصوتي، فلماذا لم تصنف من بين اللهجات العربية ؟

iii فالمفردات التي لها علاقة بالجسم مثلا لا تستعار كونها لا تدخل إلى اللغة بدخول الغزاة أو التأثر بثقافة الغير.

iv "ورتيقا" قبيلة صنهاجية عاشت في عهد المرابطين.

v كلمة "أزول" مأخوذة من اللهجة الأمازيغية " تماشق" بالجنوب و تعني "السلام".

vi معظم مساجد بلاد القبائل بنيت بأموال المتبرعين من أهاليها، مما يشهد على مدى تشبث القبائل بالإسلام.

vii سورة آل عمران، الآية 159

viii سورة الروم، الآية 22

ix استعمال صيغة المفرد في كلمة "بلاد" لجمع بجاية و قسنطينة دليل على الوحدة الترابية لهذه المنطقتين

x ترجمة من, Paris 1986 Peuples et Nations du Monde, Extraits des « Ibar »,p480 , A.Cheddadi

source :


ليست هناك تعليقات: