السبت، 29 أغسطس 2009

الجزائر أصبحت البقرة الحلوب لأشباه فنانين عرب


تحت غطاء المهرجانات السينمائية والتبادل الثقافي:أشباه فنانين عرب ملوك في الجزائر


:أشباه فنانين عرب ملوك في الجزائر تحت غطاء المهرجانات السينمائية والتبادل الثقافي:أشباه فنانين عرب ملوك في الجزائرتكرست مع الوقت ظاهرة لطالما عبر العديد من المثقفين والإعلاميين عن اشمئزازهم منها في العديد من المهرجانات واللقاءات التي تنظم هنا وهنا في الجزائر، والتي يستدعى إليها العديد من الفنانين العرب الذين يأخذون من الجزائر أكثر من حقهم، كل هذا ليس إلا لإشفاء عقدة النقص عند منظمي تلك المهرجانات.
تأتي الطبعة الثالثة للمهرجان الدولي للفيلم العربي المنظمة في مدينة وهران، لتؤكد على تكريس ظاهرة المغالاة في الرفع من شأن وأهمية العديد من الفنانين العرب، الذين لا يرقى العديد منهم إلى درجة الفنان بمعنى الكلمة. دعوات إقامات فاخرة، مبالغ خيالية، وتكريمات لهؤلاء الفنانين الذين أصبحت الجزائر بالنسبة لهم موعدا ليصبحوا ملوكا، ولو لحين، يتذكرونها خلال تلك التظاهرات، وينسون أن هناك بلدا اسمه الجزائر بمجرد عودتهم إلى بلدانهم.
هذا المشهد، ولسوء الحظ، صنعه من هم من الطبقة المثقفة في بلادنا، الذين ينظمون مثل هذه المهرجانات التي كان بإمكانهم تنظيمها أحسن وبتقديم صورة أفضل عن الجزائر. إلا أن واقع تلك المهرجانات تشير إلى أن المنظمين يستقبلون من هب ودب من الفنانين العرب، ويكرمون منهم من ليس أهلا للتكريم، وقد يكون ذلك التكريم متكررا لدرجة يصبح باهتا، ولا معنى له يتجاوز التكريم والعرفان ليفرغ تلك التظاهرات من محتواها.

نفس الوجوه تعود
سجل المهرجان الدولي للفيلم العربي في طبعته الثالثة بمدينة وهران عودة نفس الوجوه تقريبا التي شاركت في الدورتين السابقتين، وكانت السينما العربية من شرقها إلى غربها لا يمكن أن تمثل سوى بثلة من الوجوه الفنية المصرية التي تعودنا رؤيتها في المسلسلات الدرامية التي تعرض في شهر رمضان، وبعض الأسماء الفنية السورية التي وجدت في الجزائر ملاذا لها، كيف لا وهي التي تستقبل كل سنة استقبال الملوك. هؤلاء الفنانين يقدمون إلى الجزائر، يكرّمون، يلقون الاهتمام الإعلامي المتميز الذي لم يحلموا به في بلدانهم، ينتقدون السينما الجزائرية ويعلنون عن فرحهم لحفاوة الاستقبال، ثم يعودون من حيث أتوا. إلا أن الخطأ ليس خطاهم بل خطأ من يدعوهم، على غرار السيد حمراوي صاحب المهرجانات السينمائية اللامعة. التماثيل الذهبية لا يهم إن كانت ''فنكا'' أم ''اهقارا''، المهم أنها من ذهب، وأنها تبذير للمال. فإذا نظرنا إلى المهرجان بمنطق التظاهرة الثقافية ذات الطابع الدولي، فيمكن القول إن هذا الأخير لا يتوفر على المعايير التي نجدها في تلك التظاهرة، فليس بعيدا، ولن نذهب بعيدا إلى مهرجان كان الدولي للسينما بفرنسا أو مهرجان برلين السينمائي، فقريبا منا وعربيا فقط، مهرجان دبي السينمائي وكذا مهرجان القاهرة الدولي للسينما، مستواها أبعد بكثير عن مهرجان وهران الدولي للسينما العربية. ولا مبالغة في هذا الصدد إذا ما عقدنا أي مقارنة، فنحن هنا لا نبحث عن ''بريستيج'' هذه المهرجانات التي يعود تاريخ إنشاؤها إلى سنين غابرة، على غرار مهرجان القاهرة الدولي للسينما الذي انطلق في صيف 1976، ولكن الحديث يجري على مستوى المشاركة والمنافسة فيه، وكذا على مستوى التغطية الإعلامية للحدث على المستوى العربي قبل العالمي. فلماذا نحن دائما من نذهب ونسعى إليهم وإلى رضاهم وأن نكون في حسن ظنهم، ونحيط تظاهراتهم ومهرجاناتهم بالاهتمام الإعلامي، ونبني لهم صروحا من المديح، فيما يبقون في غنى عن كل تظاهراتنا؟ فكيف يمكن تفسير هذا بغير الاستخفاف وعدم الاهتمام؟ وإلى متى سنظل على هذا الحال التعيس نجري وراء العرب؟

أين كرامة الفنان الجزائري؟
عندما نرى منظمي مهرجاناتنا وتظاهراتنا الفنية كيف يتعاملون مع ضيوفهم العرب، يتبادر إلينا السؤال عن الفنان الجزائري وكرامته، كرامة لم يصنها له من في الداخل، فكيف يصونها من في الخارج؟ فنحن نستقبل يسرى وسوزان نجم الدين وقبلهما إلهام شاهين ومنى واصف وغيرهن بأيد مفتوحة وبساط أحمر وفنادق من خمس نجوم، ونجعل منهم ضيوف شرف مهرجاناتنا، فيما يبقى الفنان الجزائري مجهولا في العديد من الدول العربية، ونحن نتذكر جيدا كيف استقبل الوفد الجزائري في دمشق خلال احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية. كما لا نتوانى نحن عن تكريمهم، ولا حرج إن كان ذلك عدة مرات في ذات المناسبة أو في مناسبات أخرى، تكريمات مبالغ فيها، لحد أن هؤلاء الفنانين في حد ذاتهم لم يفهموا معادلة التكريم في الجزائر. فعلى سبيل المثال، الفنانة السورية المصرية الأصل منى واصف قد تم تكريمها في الجزائر مرتين، صحيح أنه لا يمكننا أن ننكر عطاء فنانة بحجم منى واصف التي تألقت في أكبر الأعمال السينمائية العربية، فيلم ''الرسالة'' لمصطفى العقاد، وكذا حضورها المتميز في العديد من أفلام الدراما السورية، ولكن تكريمها لمرتين أمر مبالغ فيه نوعا ما. ألم نجد غير منى واصف لتكريمها؟ ثم إنه خلال المهرجانات السينمائية التي تنظمها الدول العربية، الحضور الجزائري كان دائما شبه منعدم. فالبرغم من ضعف السينما الجزائرية مقارنة بالمصرية، وضعف الدراما الجزائرية أمام السورية، فإن هذا لا يعني أن الساحة الفنية الجزائرية خالية على عرشها، إذ هناك أسماء لامعة، خاصة على مستوى السينما، تستحق العرفان على المستوى العربي والقاري والعالمي، أمثال لمين مرباح، لخضر حمينة وغيرهم من المخرجين الكبار الجزائريين، وكذا من الممثلين والممثلات. إلا أن الواقع مغاير تماما لهذا، فالواضح أن مهرجاناتنا وفنانينا لا يهمونهم، وما يهمهم في الجزائر هو التكريم والظهور الإعلامي والجمهور، أو بتعبير آخر المستهلك الجزائري المتميز باستهلاكه لكل شيء دون انتقاء أو اختيار، لذا يتعاقبون على أي تظاهرة تنظمها الجزائر ليقولوا إنهم مولعين بالجماهير الجزائرية، وأن السينما الجزائرية متميزة، ولكن مشكلة اللغة هي التي تجعلها غير متطورة. فهل تريدنا يسرى أن نقدم أفلاما جزائرية السيناريو ومصرية اللهجة، كما تريد تماما سوزان نجم الدين أن نقدم ذات الأفلام بلهجة شامية خالصة؟ وكيف تمكنوا هم من فرض لهجاتهم على المستوى العربي بالرغم من أنها قد تصعب على غيرهم فهمها ولا هي بالقريبة إلى اللغة العربية الفصيحة أكثر من اللهجة العامية الجزائرية؟ وأكثر من ذلك، فإنهم تمكنوا من فرض لهجاتهم المحلية، على غرار اللهجة الصعيدية في مصر ولهجة بادية الشام، فيما يريدوننا أن نتنازل عن لهجاتنا حتى يهتموا بأفلامنا وإنتاجنا الفني، مما ينم عن سوء النية اتجاه السينما الجزائرية، كيف لا وهم الذين ترجموا العشرات من الأفلام المكسيكية ومؤخرا التركية إلى لهجاتهم المحلية، يعجزون عن عرض أفلام جزائرية حتى وإن اقتضى الأمر ترجمتها، وهنا اعتبارات كثيرة تدخل في الأمر، لأنه وببساطة ليس من صالح هؤلاء أن تتطور السينما الجزائرية أكثر مما هي عليه الآن.
المهرجان الدولي للفيلم العربي في طبعته الثالثة بمدينة وهران وكذا في طبعاته السابقة، لم يكن سوى مناسبة للكشف عن عورة الجزائر في مجال إقامتها لأي تظاهرة ثقافية كانت، والفشل الذريع لمنظمي هذه المهرجانات في تحقيق أي هدف إلا في الظهور بمظهر الضعف والولع بالغير وخدمة المصالح الشخصية جدا. أما غير هذا، فلا شيء يذكر، ما دام المنظم نفسه والمدعوون والمكرمون ذاتهم.
طاهر أوشيحة

ليست هناك تعليقات: